بعد مرور أكثر من 13 عامًا على استقلال جنوب السودان، تبدَّدت آمال مواطني جنوب السودان في الرفاهية والعيش الكريم والحياة الآمنة، إذ لا يستطيع أغلبهم توفير وجبة ساخنة دون عناء، في ظل تفاقم تداعيات الصراعات الأهلية والكوارث الطبيعية.

الآثار الكارثية للصراع

جنوب السودان

وفقًا لـ”UNHCR”، يُقدَّر أن هناك أكثر من 4.5 ملايين شخص قد نزحوا قسرًا بسبب الصراعات والعنف المستمر في البلاد، منهم 2.2 مليون نازح داخلي، و2.3 لاجئ في البلاد المجاورة، مما يجعلها ثالث أكبر أزمة لجوء في العالم بعد سوريا وأفغانستان.

 

كما أشارت الأمم المتحدة إلى أن نحو 9.4 ملايين شخص في جنوب السودان باتوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية وخدمات حماية، إذ يعاني أكثر من 7 ملايين شخص من انعدام الأمن الغذائي. ووفقًا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، من المتوقع أن يعاني أكثر من 1.6 مليون طفل دون سن الخامسة في جنوب السودان من سوء التغذية مع نهاية عام 2024.

دور الإغاثة الإسلامية في جنوب السودان

رغم خطورة الأوضاع، تعمل الإغاثة الإسلامية في جنوب السودان منذ عام 2003 في تسع مقاطعاتٍ داخل أربع ولاياتٍ، للتخفيف من الآثار الناجمة عن الصراعات والكوارث الطبيعية عبر تصميم الاستجابات الطارئة للأزمات وتعزيز سبل التنمية المستدامة.

جنوب السودان

تعتمد الإغاثة الإسلامية في عملها بجنوب السودان على تحقيق أهدافٍ عدة، مثل: تقديم المساعدة في حالات الطوارئ، وتوفير فرص عمل للأُسَر الفقيرة لزيادة دخلها، وتنفيذ برامج للحد من انعدام الأمن الغذائي.

 

وركَّزت الإغاثة الإسلامية جهودها على تحسين نوعية الحياة للفئات الضعيفة، خاصة النساء والأطفال، من خلال الاستثمار في التعليم والصحة وتوفير إمدادات المياه النظيفة والصرف الصحي للسكان، بالإضافة إلى البرامج الموسمية.

برنامج الاستجابة للطوارئ

نتيجة لتفاقم الآثار المتراكمة للعنف والفيضانات، اهتمت الإغاثة الإسلامية من خلال برنامج الاستجابة للطوارئ بتوفير إمدادات المياه والصرف الصحي من خلال حفر أو إعادة تأهيل الآبار وبناء المراحيض للسكان النازحين.

كما تعمل الإغاثة الإسلامية على رعاية الفئات الضعيفة، خاصة الأطفال، من خلال توزيع المواد الغذائية الأساسية وغير الأساسية وتوفير الرعاية الصحية الأولية والأدوية الوقائية.

 

المياه والصرف الصحي

تستهدف الإغاثة الإسلامية من خلال برنامج توفير المياه والصرف الصحي والنظافة الفئات الأكثر ضعفًا في نطاق عملياتها في المقاطعات التسعة.

وتوفر الإغاثة الإسلامية المياه النظيفة للناس والماشية من خلال حفر الآبار، وإعادة تأهيل نقاط المياه، واستخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية لضخ المياه من الآبار إلى الخزانات المرتفعة.

وبالتوازي، دمجت الإغاثة الإسلامية برنامج إمدادات المياه مع برامج كسب العيش، ومن ثم وفَّرت تقنيات الري بالتنقيط للمزارعين لزيادة الإنتاج وتحسين جودة الغذاء.

 

الصحة والتغذية

وفي عام 2004، شرعت الإغاثة الإسلامية في جنوب السودان في تطوير برنامج للتعليم والصحة، حيث أنشأت وحدة للرعاية الصحية الأولية في مقاطعة “واراب”.

وتعمل الإغاثة الإسلامية من خلال برنامج الصحة والتغذية على الحد من انتقال الأمراض، وتخفيف معاناة السكان والنازحين، وتخفيض حالات الوفاة، كما قدَّمت المؤسسة برنامجا لعلاج سوء التغذية الحاد، للتخفيف من آثاره ومضاعفاته خاصة لدى الأطفال.

 

الأمن الغذائي

وفي ظل تداعيات الصراع الخطيرة، تعمل الإغاثة الإسلامية على برامج التمكين الاقتصادي للأُسَر الأكثر ضعفًا من خلال تأسيس مجموعات عمل لتعظيم إنتاجهم باستخدام الموارد المحلية المحدودة، من أجل تعزيز أمنهم الغذائي وجعلهم أكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات.

 

توفير سُبل العيش المستدامة

وبالتزامن مع برامج الاستجابة للطوارئ، ركَّزت الإغاثة الإسلامية على توفير سُبل العيش المستدامة للسكان من خلال زيادة دخل الأُسَر عن طريق الاستثمار في الثروة الحيوانية، وتوفير الأرض الصالحة للزراعة، وإدارة الموارد الطبيعية، فضلًا عن مبادرات التعامل مع التغيرات المناخية.

وفي عام 2014، زوَّدت الإغاثة الإسلامية الفئات الضعيفة والمُهمَّشة بمجموعات البذور والمحاصيل، وأدوات الصيد، وأدوات الزراعة، كما قدَّمت تدريبًا لبناء قدرات المزارعين، وأنشأت مرافق لمياه الري.

 

الحد من مخاطر الكوارث الطبيعية

ونظرًا للتقلبات المناخية والفيضانات التي تُهدِّد البلاد، صمَّمت الإغاثة الإسلامية برنامجًا للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، تعمل من خلاله على بناء قدرات المجتمع المحلي بحيث يصبح أكثر مرونة عند مواجهة الكوارث.

 

البرامج الموسمية

تنقسم البرامج الموسمية السنوية التي تُقدِّمها الإغاثة الإسلامية في جنوب السودان إلى نوعين: الأول موسم رمضان، وفيه تُقدِّم الإغاثة الإسلامية الطرود الغذائية للأُسَر المستحقة، والثاني موسم عيد الأضحى، وتوفر خلاله الإغاثة الإسلامية أجود لحوم الأضاحي لمَن يعانون من سوء التغذية.

قصة ملهمة

اعتاد جون دو أن يجلس وحيدًا، تتملَّكه الحيرة والحزن وهو يفكر في حال طلاب مدرسته الابتدائية. هؤلاء الأطفال الصغار كانوا يقطعون مسافات طويلة بحثًا عن شربة ماء، ويضطرون إلى قضاء حاجاتهم في العراء، معرضين أنفسهم لمخاطر الأفاعي والعقارب.

جنوب السودان

جون دو، الذي كان مديرًا لمدرسة “برين ستورم الابتدائية” في منطقة ناروس، شرق كبوتيا بولاية شرق الاستوائية، شعر بالعجز أمام معاناة نحو 540 طفلًا كانوا يواجهون تحديات يومية خطيرة فقط لتلبية احتياجاتهم الأساسية. يقول جون: “كان الطلاب يخبرون المعلمين برغبتهم في شرب الماء، لكنهم يعودون للفصول بعد انتهاء الدروس دون أن يشربوا. كان ذلك تحديًا صعبًا للغاية”.

في تلك اللحظة الحرجة، جاءت الإغاثة الإسلامية لتمنح الأمل لهؤلاء الأطفال. فقد وفرت مياه شرب نظيفة، إلى جانب مرافق للصرف الصحي ودورات مياه مجهزة بالصابون. لم يعد الأطفال بحاجة إلى قطع مسافات طويلة أو مواجهة مخاطر العراء.

بابتسامة مليئة بالامتنان، يقول جون: “نحن سعداء للغاية لأننا أصبحنا نملك المياه. لقد واجهنا صعوبات كبيرة قبل أن تبدأ الإغاثة الإسلامية هذا المشروع”.

لكن جون لم يتوقف عند هذا الحد. بعد حل مشكلة المياه، بدأ يفكر في تحسين التغذية لطلابه، لضمان صحتهم وحمايتهم من الأمراض المرتبطة بسوء التغذية. بفكرة بسيطة ولكن ملهمة، حوَّل قطعة الأرض الصحراوية أمام المدرسة إلى مزرعة صغيرة تنتج خضراوات وفاكهة طازجة، وأصبح الطلاب يجمعون ما يحتاجون إليه لإعداد وجبات مغذية خلال وقت الغداء.

جون يؤمن بقوة التعاون ويقول: “إذا تعاونّا، فيمكننا أن نفعل شيئًا. هذه هي الطريقة الوحيدة لتحسين وضع التعليم في مجتمعنا. أنا سعيد جدًّا بما تحقق”.

يحلم جون بمزيد من الدعم ليصل هذا التغيير إلى مدارس أخرى، مما يعزز قدرة المجتمع على توفير بيئة تعليمية أفضل لعدد أكبر من الطلاب. بفضل تفانيه وشغفه، أصبح التعليم في ناروس قصة نجاح تستحق أن تُروى.

جميع الحقوق محفوظة لمنظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم 2025 ©
الإغاثة الإسلامية عبر العالم منظمة خيرية دولية غير حكومية مسجلة فى المملكة المتحدة برقم : 328158 328158