رمضانُ شهرٌ عظيمٌ، تُفتح فيه أبوابُ الجِنان، وتُغلَق أبوابُ النيران، وتتنزل فيه الرحمات، فيا سعدَ مَن اغتنمه، ويا خسارةَ مَن فرّط فيه! فما أعظم أن نستقبله بقلوبٍ خاشعة، ونفوسٍ متأهبة، وعزائمَ متقدة!

إن السلف الصالح كانوا يعدّون رمضان موسم العمر، فيتهيّأون له قبل قدومه بشهور، يغسلون قلوبهم بالتوبة، ويضيئون أرواحهم بالعبادة، ويتدرّبون على الصيام والقيام، حتى لا تفوتهم بركة هذا الشهر الكريم. فالسؤال الذي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا اليوم: ماذا تفعل قبل رمضان؟ كيف تتهيأ لهذا الضيف المبارك حتى تفوز بأعظم ثمراته؟

ماذا تفعل قبل رمضان؟

رمضان ليس كأي شهر، بل هو هبةٌ إلهية، ونفحةٌ ربانية لا تُقدّر بثمن، فمَن أراد أن يكون من الفائزين فيه، فلا بد أن يُحسِن استقبال رمضان، لكن كيف نستعد لهذا الضيف العظيم؟

الاستعداد لرمضان لا يبدأ برؤية الهلال، بل قبل ذلك بوقتٍ كافٍ، بتطهير القلب من الذنوب، وتعويد النفس على الطاعات، والتخطيط الجيد لاستثمار أيامه المباركة، قال رسول الله ﷺ: “رغم أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له” (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فكيف نسمح أن يمر رمضان دون أن نكون من المغفور لهم؟

فمَن يدخل رمضان متأهبًا، يجني ثماره منذ اللحظة الأولى، ومَن يدخله متكاسلًا، قد يُدرك فضلَه بعد فوات الأوان، وقد كان الصحابة يتهيّأون لرمضان قبل حلوله بأشهر، فقد ورد عن معلى بن الفضل رحمه الله أنه قال: “كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يُبلِّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم”. فهذا كان حال السلف، فكيف يكون حالنا؟

ماذا تفعل قبل رمضان ليكون مختلفًا هذا العام؟

كيفية استقبال رمضان

إن استقبال رمضان ليس مجرد انتظارٍ لموعد الإمساك والإفطار، بل هو تهيئة القلب والجوارح لاستقبال شهرٍ هو خيرُ شهور العام، الشهر الذي تتنزل فيه الرحمات، وتُفتح فيه أبواب الجنة، وتُضاعف فيه الحسنات. فكيف يكون الاستقبال الأمثل لهذا الشهر العظيم؟

أولًا: التوبة وتجديد النية

رمضان شهر الطهارة، فلا بد أن يُستقبل بقلبٍ نقيّ، قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

وكان النبي ﷺ يدعو كثيرًا: “اللهم اغفر لي، وتب عليّ، إنك أنت التواب الرحيم” (رواه أبو داود وصححه الألباني).

ثانيًا: الإكثار من الصيام في شعبان

فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلت: “يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهرٍ من الشهور ما تصوم من شعبان؟”، فقال ﷺ: “ذلك شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم” (رواه النسائي وصححه الألباني).

ثالثًا: التدرّب على قيام الليل وقراءة القرآن

كان السلف الصالح يبدأون الاستعداد لرمضان بزيادة القيام وتلاوة القرآن، فقد كان الإمام مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك كل شيء وقال: “هذا شهر القرآن”، فكان ينشغل به عن كل شيء.

رابعًا: تصفية القلب من الخصومات والمشاحنات

قال رسول الله ﷺ: “يُعرض الناس يوم الاثنين والخميس، فيُغفر لكل عبدٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا” (رواه مسلم).

فمَن أراد أن يُحلق بروحه في أجواء رمضان، فليبدأ بتطهير قلبه من الضغائن، حتى ينال المغفرة من أول ليلة.

 

كيفية استقبال رمضانأفكار الاستعداد لرمضان | خطط عملية لاغتنام الشهر

رمضان كنزٌ عظيم لا يُدرك فضله إلا مَن استعد له جيدًا، فكلما كان الاستعداد مبكرًا ومدروسًا، زادت البركة في الوقت والعمل، فيما يلي أفكار الاستعداد لرمضان من أجل استقبال شهر رمضان بأفضل حال.

1- اشكر الله على بلوغ الشهر

ليس كل عبد يُكتب له إدراك رمضان، فكم من شخص كان معنا في العام الماضي ولم يبلغه هذا العام! لذا، اجعل أول استعداداتك حمد الله وشكره على هذه النعمة العظيمة، فقد كان النبي ﷺ عند رؤية هلال رمضان يقول: “اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى” (رواه الترمذي).

2- ضع خطة عبادية واضحة

لا تترك أيام رمضان تمضي بلا هدف، بل حدّد عدد الختمات القرآنية التي تريد تحقيقها، واجعل لك وردًا ثابتًا من الذكر والدعاء. قال النبي ﷺ: “أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ” (رواه البخاري ومسلم).

3- نظّف قلبك بالتوبة والمسامحة

رمضان فرصةٌ لتجديد العهد مع الله، فاستقبله بتوبةٍ صادقة، وردّ المظالم إلى أهلها، وصافِح مَن خاصمته، فذلك أدعى للقبول، قال الحسن البصري رحمه الله: “المؤمن يلقى المؤمن بوجهٍ طلق وقلبٍ سليم، والمنافق يلقاه بوجهٍ طلق وقلبٍ غادر”.

4- درّب نفسك على الصيام والطاعات

لتكون على أتم الاستعداد، ابدأ بالصيام في شعبان، وأكثِر من قيام الليل، وتلاوة القرآن، حتى لا تشعر بالمشقة عند دخول رمضان، فقد كان الصحابة يُكثرون من الصيام في شعبان تأسيًا بالنبي ﷺ.

5- استبشر بفضائل الشهر وعِظَم الأجر

اجعل قلبك ممتلئًا بالفرح لقدوم هذا الشهر المبارك، فالله سبحانه وتعالى اختصه بمضاعفة الأجور، وفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النار، قال النبي ﷺ:

“إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ” (رواه الترمذي وصححه الألباني).

6- نظّم وقتك وتخلّص من المُلهيات

قلِّل من التعلق بوسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز، واجعل لك وقتًا محددًا لكل شيء، حتى لا تُفاجأ بأن الشهر قد مضى دون إنجاز حقيقي، قال أحد السلف: “إذا لم تُشغل نفسك بالحق، شغلتك بالباطل”.

 

أفكار الاستعداد لرمضاندعاء استقبال شهر رمضان

الدعاء مفتاح كل خير، وما أعظم أن يبدأ العبد شهر رمضان بالدعاء والتضرع إلى الله، يسأله القبول، والتوفيق للطاعات، والنجاة من الذنوب والخطايا، فقد كان النبي ﷺ يُكثِر من دعاء استقبال شهر رمضان، ومن ذلك ما جاء في الحديث: “اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله” (رواه الترمذي).

أدعية مستحبة لاستقبال رمضان

  • اللهم بلغنا رمضان، ووفقنا لصيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا فيه من عتقائك من النار.
  • اللهم اجعل رمضان شهر خير وبركة، وأعنا فيه على الذكر والشكر وحسن العبادة.
  • اللهم ارزقنا في رمضان قلوبًا خاشعة، وألسنة ذاكرة، ونفوسًا مطمئنة، وأعمالًا صالحة مقبولة.
  • اللهم تقبل مني طاعتي، واكتب لي الأجر العظيم.
  • اللهم بلغنا رمضان ونحن بأحسن حال لا فاقدين ولا مفقودين، اللهم بلغنا رمضان وأعنا فيه على الصيام والقيام واجعلنا من عتقائك من النار.
  • اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والمسارعة إلى ما تحب وترضى.

قصص عن استقبال شهر رمضان

رمضان شهر عظيم، وكان للسلف الصالح حالٌ خاصٌّ في استقباله، حيث كانوا يعدّونه فرصة العمر ويتهيّأون له بكل جوارحهم، نستعرض قصصًا عن استقبال شهر رمضان فيها عبرة لنا، ولترشدك ماذا تفعل قبل رمضان.

ستة أشهر من الدعاء لبلوغ رمضان

كان معلى بن الفضل رحمه الله يقول: “كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم”. يدل هذا على مدى حرصهم على استغلال رمضان، فهم لا ينتظرون قدومه بلا استعداد، بل يسألون الله بصدق أن يرزقهم فرصة الصيام والقيام، ثم يخافون ألا يُتقبّل منهم، فيدعون بعده، فكيف بنا ونحن نُفرّط في أيامه ولياليه؟

الإمام مالك ووداع العلم لأجل القرآن

كان الإمام مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، إذا دخل رمضان يعتزل حلقات العلم والفتوى، ويتفرغ للعبادة والقرآن، وكان يقول: “هذا شهر القرآن”. فرمضان موسم خاص لا يتكرر، فمَن أدرك قيمته قدّم طاعة الله على كل شيء، حتى وإن كان في أصل الأمر خيرًا.

حال الحسن البصري عند دخول رمضان

كان الحسن البصري رحمه الله يقول عن رمضان: “إن الله جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قومٌ ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا”.

هذه القصص ليست مجرد روايات، بل رسائل لتُعيد النظر فيما ستفعله قبل رمضان.

الخاتمة

رمضان ليس مجرد شهر يمر كل عام، بل فرصة ربانية عظيمة يجب أن نستعد لها كما يستعد التاجر لموسم الربح، وكما يُهيّئ العابد قلبه للقاء مولاه.

فالسؤال الأهم الآن: ماذا تفعل قبل رمضان ليكون هذا العام مختلفًا؟ هل ستستقبله بقلبٍ تائب، وهمةٍ عالية، وخطةٍ واضحة، أم ستترك الأيام تمضي دون استعداد؟ القرار بيدك، والفرصة لا تزال أمامك، فلا تضيعها!

جميع الحقوق محفوظة لمنظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم 2025 ©
الإغاثة الإسلامية عبر العالم منظمة خيرية دولية غير حكومية مسجلة فى المملكة المتحدة برقم : 328158 328158