مع اقتراب شهر رمضان، تترقب المجتمعات الإسلامية حول العالم الإعلان الرسمي عن بداية الشهر الفضيل، وتنتظر تلك اللحظات بلهفةٍ وشغف استعدادًا للتمتّع بلذة العبادة والطاعات، حتى يطلّ هلال رمضان معلنًا بداية شهر الرحمة والمغفرة، ولكن كيف نتحقق من رؤية هلال رمضان؟ وما الطرق الشرعية التي تُثبت دخول الشهر الكريم؟ وما أفضل الأدعية التي نستقبل بها الشهر الكريم؟ هذا ما سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال.

تحري رؤية هلال رمضان: بين الرؤية الشرعية والتكنولوجيا الحديثة

يعتمد التقويم الهجري على دورة القمر، ولهذا تُعد رؤية الهلال الطريقة الأساسية لتحديد بداية الشهور الهجرية، وعلى رأسها شهر رمضان المبارك، حيث يُراقَب الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان بعد غروب الشمس، ويُشترط أن تكون الرؤية بالعين المجردة أو باستخدام المناظير الفلكية، وفقًا لما تحدده الجهات الشرعية المختصة، فإن ثبتت الرؤية، يُعلَن دخول الشهر الفضيل، وإن لم تثبت، يتم شهر شعبان ثلاثين يومًا، ومع تطور العلم أصبحت الحسابات الفلكية تُستخدم وسيلةً مساعدة، لكنها لا تغني عن الرؤية الشرعية.

خطوات تحري رؤية هلال شهر رمضان المبارك

  1. التهيئة النفسية: يجب على المسلمين أن يكونوا في حالة من الترقب، إذ يُعد هذا الأمر عبادة في حد ذاته.
  2. اختيار المكان المناسب: يُفضَّل اختيار أماكن بعيدة عن التلوث؛ لتعزيز فرص رؤية الهلال بوضوح.
  3. استخدام التقنيات الحديثة: يُمكِن الاستعانة بالتقنيات الحديثة، مثل التلسكوبات، بجانب الرؤية بالعين المجردة.
  4. التعاون مع الجهات المختصة: تُشكَّل لجان خاصة لتحري رؤية هلال شهر رمضان المبارك في العديد من الدول، مما يعزز من دقة تحديد بداية الشهر.

 

رؤية هلال رمضان: سنة نبوية تتجدد كل عام

تُعدّ رؤية الهلال من السنن النبوية التي تلتزم بها الأمة الإسلامية كل عام، فهو دليل شرعي يُحدِّد بداية الصيام والعبادات المرتبطة بالشهر الكريم، كما أن رمضان شهر قمري، حيث كان الناس قديمًا لا يُجيدون الحساب والفلك؛ لذا كانت وسيلة رؤية الهلال بالعين المجردة هي الأوضح والأيسر لهم، فعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال بشأن دخول رمضان: “إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا” (متفق عليه).

شروط الرؤية:

  1. أن يكون الهلال قد وُلد (أي انفصل عن الشمس) قبل غروبها.
  2. أن يبقى في الأفق بعد غروب الشمس مدةً كافيةً لرؤيته.

حكم رؤية الهلال: بين الشريعة والعلم

  • رؤية الهلال هي فرض كفاية، فإذا قام بها عدد كافٍ من المسلمين، سقط الإثم عن الباقين، لكن إذا لم يقم بها أحد، أثم جميع المسلمين. 
  • يعتمد الحكم الشرعي على الرؤية البصرية للهلال من قِبَل شاهد عدل، مع إمكانية الاستعانة بالحسابات الفلكية وسيلةً مساعدة، لكنها لا تُغني عن الرؤية الشرعية في غالبية المذاهب الإسلامية. 
  • يختلف العلماء في مدى الاعتماد على الحسابات الفلكية وحدها، حيث يرى جمهور الفقهاء أن الأصل هو الرؤية المباشرة، بينما يجيز بعضهم الأخذ بالحساب الفلكي إذا كان دقيقًا ولا يحتمل الخطأ.

ليلة الرؤية لهلال رمضان: حينها تشرق البهجة

تُعد ليلة الرؤية ليلةً ذات طابعٍ خاص، حيث تُعلن فيها الدول نتائج التحري، ويتجمَّع المسلمون في المساجد لأداء صلاة التراويح بعد إعلان الثبوت، حيث يُحتمل فيها رؤية الهلال بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين من رمضان، وتُعد هذه الليلة من أكثر الليالي انتظارًا بين المسلمين، إذا توافرت ظروف الرؤية، بينما يُعتَمد على اليوم الثلاثين في حال عدم ظهور الهلال. 

حديث رؤية الهلال: حكمة وتشريع

توجد عدة أحاديث نبوية تبرز أهمية رؤية الهلال، ومنها:

  • “صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته” (رواه البخاري ومسلم).
  • “إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا” (رواه مسلم).

تعكس هذه الأحاديث الشريفة المنهج الإسلامي في تحديد المواقيت الشرعية، حيث تعتمد الشهور الهجرية على رؤية الهلال بالعين المجردة، وهو ما يجسد الدقة والوضوح في الشريعة الإسلامية. كما توضح أهمية الالتزام بهذه الطريقة، وعدم الاعتماد على التقديرات الشخصية، حتى يسود النظام والتوافق بين المسلمين في صيامهم وإفطارهم.

ثبوت شهر رمضان: بين الرؤية وإكمال العدة

يثبت شهر رمضان بأحد الأمرين، ألا وهما:

  1. رؤية الهلال: إذا رأى الهلال عدد كافٍ من المسلمين العدول، فإن شهر رمضان يثبت، ويجب على المسلمين صيامه.
  2. إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا: إذا لم يُرَ الهلال؛ بسبب ظروف الطقس التي تؤثر على رؤية الهلال، فإن شهر شعبان يُعد كاملًا، ويُصبح اليوم التالي هو أول أيام رمضان.

بذلك نعرف أن النظام الذي يضمن ثبوت شهر رمضان يعتمد على التعاون بين العلماء والفلكيين؛ لضمان دقة المعلومات والمصداقية في الإعلان.

دعاء دخول شهر رمضان – دعاء دخول هلال رمضان

من أفضل الأدعية المأثورة التي يستقبل بها المسلمون شهر رمضان، اقتداءً بسنة النبي ﷺ في بداية شهر رمضان: “اللهم بلغنا رمضان، وأعنا على الصيام والصلاة والقيام وقراءة القرآن”.

وعند ثبوت رؤية الهلال، يُستحب للمسلم أن يدعو بدعاء واردٍ عن النبي ﷺ: “اللَّهُمَّ أهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ” (رواه الترمذي)، كما يُكثر المسلمون من التهليل والتكبير استعدادًا لاستقبال الشهر الفضيل.

الخاتمة:

ختامًا، شهر رمضان هو شهر تنتظره القلوب وتتحراه الأبصار، إذ يحمل في طياته روحانيات خاصة تجتمع عليها قلوب المسلمين، وبين التمسك بالسنة والاستفادة من التقدم العلمي، يبقى الأصل في معرفة بداية الشهر الكريم هو رؤية هلال رمضان، قدوةً بسنة الحبيب المصطفى ﷺ، مع الاستعانة بالحسابات الفلكية وسيلةً داعمة

نسأل الله أن يهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام وأن يجعلنا من الصائمين القانتين، آمين.

 

جميع الحقوق محفوظة لمنظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم 2025 ©
الإغاثة الإسلامية عبر العالم منظمة خيرية دولية غير حكومية مسجلة فى المملكة المتحدة برقم: 328158