شهر رمضان هو موسم الطاعات ونبع الخيرات، فيه تتضاعف الحسنات، وتُفتح أبواب الرحمة، ويغدق الله على عباده من فضله وجوده، ومن أعظم القربات التي يُستحب الإكثار منها في هذا الشهر المبارك الصدقة، فهي سبب لمغفرة الذنوب، وزيادة الرزق، ورفع الدرجات، قال تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 261).
فما هو فضل الصدقة في رمضان؟ وكيف يمكن للمسلم اغتنام هذا الشهر الكريم في البذل والعطاء؟ سنتناول أهمية الصدقة وأثرها العظيم على النفس والمجتمع، ونسلط الضوء على أفضل أنواع الصدقة في رمضان التي يمكن تقديمها خلال شهر الرحمة والمغفرة.
الصدقات في رمضان ليست كغيرها من الصدقات، فهي تأتي في أعظم شهور السنة، حيث تتضاعف الأجور وتُفتح أبواب الجنان، فينال المتصدق اجر الصدقة في رمضان ورحمة واسعة من الله عز وجل.
يقول النبي ﷺ: “أفضل الصدقة صدقة في رمضان” (رواه الترمذي)، وهذا يدل على أن الإنفاق في هذا الشهر الفضيل له مكانة خاصة عند الله، إذ يجمع بين الصدقة والصيام، وهما من أعظم القربات التي يحبها الله.
1- الصدقة سبب لمغفرة الذنوب ومضاعفة الأجر
من فضل الله أن جعل الصدقة طهرة للنفس من الذنوب، ووسيلة لرفع الدرجات، وقد وعد الله المتصدقين بأجر مضاعف وثواب لا يُحصى؛ فالمتصدق لا ينفق درهمًا إلا ويرده الله عليه بأضعاف مضاعفة من الحسنات والبركة في الدنيا والآخرة.
2- الصدقة تفتح أبواب الرحمة وتزيل البلاء
كم من إنسان دفع الله عنه مصيبة أو مرضًا أو كربًا بسبب صدقته! فالصدقة دواء للأمراض، وسبب النجاة من الكروب، كما جاء في الحديث: “داووا مرضاكم بالصدقة” (رواه البيهقي).
3- الصدقة غذاء للروح وتكافل للمجتمع
الصدقة في شهر رمضان لا تعود بالنفع على المتصدق وحده، بل تنعكس على المجتمع كله، فتسد حاجة الفقراء، وتُعين المحتاجين، وتدخل السرور على القلوب، مما يرسّخ قيم التراحم والتكافل بين المسلمين.
4- الصدقة طريق للجنة ووقاية من النار
ومن فضل الانفاق في رمضان الفوز بالجنة والنجاة من النار، فلتجعل الصدقة رفيقة دربك، فقد قال النبي ﷺ: “اتقوا النار ولو بشق تمرة” (متفق عليه)، فهي حجاب من العذاب، وسبب للفوز برضوان الله، لا سيما في رمضان، حيث تُفتح أبواب الجنة، وينادي منادٍ: “يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر” (رواه الترمذي).
شهر رمضان هو شهر الطاعات والقربات، حيث يجتمع فيه الصيام والصدقة في منظومة إيمانية متكاملة ترفع العبد إلى درجات عالية من الإحسان.
فالصوم مدرسة لتهذيب النفس وتعويدها على الصبر والتضحية، والصدقة عمل عظيم يعكس حب الخير للآخرين والسعي إلى تفريج كربهم، وعندما تتجلى العلاقة بين الصوم والصدقة في رمضان، فإن الأجر يتضاعف، ويكون العبد أقرب إلى رضا الله والفوز برحمته.
من فضل الله ورحمته أنه جعل الصيام كفارة للذنوب، كما قال النبي ﷺ: “مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه” (متفق عليه)، وجعل الصدقة أيضًا وسيلة عظيمة لمحو الخطايا، فقال ﷺ: “الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار” (رواه الترمذي). فمن فوائد الصدقة في رمضان، إن العبد ينال مغفرة عظيمة وأجرًا مضاعفًا، ويتخلص من أوزاره ويُنقى قلبه من الذنوب.
فمن صام رمضان وأكثر من الصدقة، نال هذه المنازل الرفيعة، حيث يجتمع فيه طهارة القلب بالصيام وطهارة المال بالإنفاق، فيكون العبد من المتصدقين الصائمين الذين يُبشرون بالجنة.
نعم، صدقة رمضان تتضاعف أجورها وتزيد بركتها، فهي عبادة عظيمة تجتمع مع شرف الزمان، حيث اختص الله هذا الشهر بمضاعفة الحسنات والرحمة والمغفرة؛ فقد قال النبي ﷺ: “أفضل الصدقة صدقة في رمضان” (رواه الترمذي).
وقد بيّن الله تعالى في كتابه الكريم آية عن الصدقة في رمضان، وأن الصدقة تتضاعف بحسب النية والإخلاص، فقال: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 261)، فكيف إذا اجتمعت فضيلة الصدقة مع شرف شهر رمضان الذي هو شهر الجود والكرم؟!
أفضل الصدقة صدقة في رمضان، فهي من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله، فلا تقتصر على المال فقط، بل تشمل كل ما ينفع الناس ويخفف عنهم، ومن أنواع الصدقة في رمضان:
1- صدقة المال
وهي إخراج المال للمحتاجين والفقراء، سواء كانت زكاة المال أو صدقة التطوع، وقد قال الله تعالى:
{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (الحديد: 7).
2- إفطار الصائمين
من أفضل الصدقات في رمضان، فقد قال النبي ﷺ: “من فطر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء” (رواه الترمذي).
3- التبرع بالملابس والطعام
ويشمل التبرع بالملابس للفقراء، أو تجهيز وجبات غذائية للأسر المحتاجة، فكم من بيت يفرح بصندوق طعام في هذا الشهر الكريم؟!
4- كفالة الأيتام
وهي من أعظم الصدقات التي يتضاعف أجرها، فقد قال النبي ﷺ: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا” وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى (رواه البخاري).
5- زكاة الفطر
وهي صدقة واجبة على كل مسلم قبل صلاة العيد، وهي طهرة للصائم وتوسعة على الفقراء، قال النبي ﷺ:
“فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين” (رواه أبو داود).
زكاة الفطر هدية الوداع لشهر رمضان، وتعبير عن شكر الله على نعمة الصيام، زكاة الفطر هي الصدقة الواجبة في ختام شهر رمضان، وهي تطهير للصائم من أي تقصير وقع في صيامه، كما أنها توسعة على الفقراء والمساكين يوم العيد.
زكاة الفطر هي أفضل الصدقات في رمضان وهي فريضة على كل مسلم قادر، صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، فقد فرضها النبي ﷺ كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه: “فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين” (رواه البخاري ومسلم).
نجد حديث عن الصدقة في رمضان كثيرة والتي تبين فضل الصدقة ومكانتها العظيمة، ومنها:
العشر الأواخر من رمضان هي أعظم أيام الشهر وأشرفها، فقد جعلها الله مسك الختام، وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ومن أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله فيها الصدقة، حيث تتضاعف فيها الأجور، ويُرجى أن تصادف ليلة القدر، فينال المسلم ثواب الصدقة كأنه تصدق بها أكثر من 83 سنة!
وقد كان النبي ﷺ يضاعف صدقة العشر الاواخر، فدلّ ذلك على استحباب الإكثار من الإنفاق وفضل الصدقة في العشر الأواخر من رمضان.
الصدقة في العشر الأواخر من رمضان لها فضل عظيم، لكن هناك أوقات معينة يكون فيها اجر الصدقه في العشر الاواخر أعظم وأكبر، حيث يجتمع فيها فضل الزمان وفضل العمل، ومن هذه الأوقات:
1- الصدقة في ليلة القدر (أفضل وقت على الإطلاق): قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر: 3).
2- الصدقة في وقت السَّحَر (قبل الفجر): قال الله تعالى عن المتقين: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات: 18).
3- الصدقة بعد صلاة الفجر: قال النبي ﷺ: “اللهم بارك لأمتي في بكورها” (رواه أبو داود وصححه الألباني).
4- الصدقة يوم الجمعة في العشر الأواخر: قال النبي ﷺ: “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة” (رواه مسلم).
5- الصدقة عند الإفطار: قال النبي ﷺ: “إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد” (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
نعم، الصدقة في ليلة القدر مضاعفة بشكل عظيم يفوق أي صدقة في غيرها من الأيام، وذلك لأن ليلة القدر خير من ألف شهر.
قال النبي ﷺ: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه)، فإذا كان القيام فيها سببًا لمغفرة الذنوب، فكيف بالصدقة التي تطفئ غضب الله وتزيد البركة؟
عثمان بن عفان وشراء بئر رومه
عندما قدم النبي ﷺ إلى المدينة، كان الناس يشترون الماء بثمن باهظ من بئر تُسمى رومة، وكان يملكها رجل يهودي. فحث النبي ﷺ الصحابة على التبرع لشراء البئر ليكون وقفًا للمسلمين.
فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه بشرائها بماله، وجعلها صدقة جارية في رمضان، ومنذ ذلك الحين وهي تروي المسلمين بلا مقابل!
الصحابي الذي تصدّق فنجا من النار
في زمن النبي ﷺ، جاء رجل إليه وسأله: “يا رسول الله، دلني على عمل يُدخلني الجنة ويُباعدني عن النار، فقال له النبي ﷺ: “تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم” (متفق عليه).
وفي رمضان، كان الصحابة يتسابقون في الصدقة، وكان أحدهم يملك تمرًا قليلًا، فأخذ حفنة منه وتصدق بها لينال ثواب الصدقة في رمضان. فقال النبي ﷺ: “اتقوا النار ولو بشق تمرة” (متفق عليه)، كانت صدقته سببًا في نجاته من النار! فلو تصدق العبد في رمضان ولو بالقليل، قد يكون ذلك سببًا لمغفرة ذنوبه ودخوله الجنة.
الرجل الذي تصدّق فشفى الله ابنه
رجل كان له ابن مريض، ولم يجد له علاجًا، فذهب إلى أحد العلماء يطلب منه الدعاء، فقال له العالم: “تصدق بنية شفاء ابنك، فإن الصدقة تطفئ غضب الرب وتشفي المريض”.
فذهب الرجل وأطعَم مساكين في رمضان، ووزع التمر والماء على الصائمين، وبعد أيام تحسّن ابنه تدريجيًا حتى تعافى تمامًا!
هناك افكار للصدقة في رمضان كثيرة ومتنوعة، ومنها:
إفطار الصائمين
كفالة الأيتام
التبرع للفقراء والمحتاجين
التبرع بالملابس والاحتياجات الأساسية
العمرة في رمضان
ها قد أقبلت أيام رمضان، فلا تبخل على نفسك بالخير، واجعل لك نصيبًا من فضل الصدقة في رمضان، ولو بالقليل، فقد تكون تمرة واحدة سببًا في دخولك الجنة! وابحث عن أبواب الخير في هذا الشهر الفضيل، فهناك من ينتظر لقمة تسد جوعه، أو يدًا تمتد إليه بالعطاء، أو قلبًا يحنّ عليه بالعطف والرحمة.
فاللهم اجعلنا من أهل الكرم والجود، وارزقنا قلبًا محبًا للخير، ووفقنا لإخراج الصدقات في رمضان خالصةً لوجهك الكريم.