الحج هو أعظم رحلة إيمانية في حياة المسلم، فرضه الله تعالى على مَن استطاع إليه سبيلًا، وجعل فيه تطهيرًا للنفوس، وغفرانًا للذنوب، وتجديدًا للعهد مع الله عز وجل. ولأن أداء هذه الشعيرة يتطلب فهمًا دقيقًا لجميع خطواتها وأركانها، نقدم لك في هذا الدليل الشامل شرحًا مفصلًا لخطوات و مناسك الحج بالترتيب، بدءًا من الإحرام، ومرورًا بالوقوف بعرفة، ورمي الجمرات في الحج، وطواف الإفاضة، وانتهاءً بطواف الوداع. ستجد هنا توضيحًا لكل خطوة، وما يصاحبها من نِيّات، وأدعية، ومحظورات، مما يُساعدك على أداء حجك بيقين وسكينة واستحضار كامل للنية والروحانية.
الحج عبادة عظيمة، وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة، شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده المسلمين مرة واحدة في العمر لمَن استطاع إليه سبيلًا، وهو مناسبة عظيمة يتجلى فيها المعنى الحقيقي للخضوع لله والتجرد من الدنيا والتقرب من الخالق. الحج ليس مجرد طواف وسعي، بل هو رحلة إيمانية متكاملة تجمع بين الطاعة الجسدية، والانضباط، والنية الخالصة لله، وتنقّي النفس من الذنوب، وتغرس معاني الإخلاص والصبر والتضحية.
عند أداء مناسك الحج، يمكن للمسلم أن يختار بين ثلاثة أنواع رئيسية، تختلف في ترتيب النية والأعمال، وهي:
الإحرام هو نية الدخول في أحد نسك الحج، ويبدأ الحاج بإزالة ما عليه من ثياب مخيطة، ثم يغتسل ويتطيب، ويرتدي إزارًا ورداءً أبيضين غير مخيطين، ثم ينوي بقلبه الدخول في الحج (ويقول: لبيك اللهم حجًا إن كان متمتعًا، أو لبيك حجًا وعمرة إن كان قارنًا، أو لبيك حجًا إن كان مفردًا). بعد ذلك يبدأ بالتلبية: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك…”.
بعد نية الإحرام، يصبح الحاج ملتزمًا بالابتعاد عن مجموعة من الأمور تُعرف بمحظورات الإحرام، منها: قص الشعر أو الأظافر، واستخدام العطور، وتغطية الرأس (للرجال)، ولبس المخيط، والجماع، وعقد الزواج، والصيد. وهذه المحظورات يجب معرفتها جيدًا لتجنب الوقوع فيها، إذ إن بعضها يُوجب الفدية.
عند الوصول إلى مكة، يتجه الحاج مباشرة إلى المسجد الحرام لأداء الطواف حول الكعبة سبعة أشواط، يبدأ من الحجر الأسود ويختم به، مع جعل الكعبة عن يساره. هذا الطواف يُسمى طواف القدوم، وهو سُنة للقارن والمفرد، وركن أساسي للمعتمر أو المتمتع.
بعد الطواف، يبدأ الحاج السعي بين جبلي الصفا والمروة، سبعة أشواط، يبدأ من الصفا وينتهي بالمروة، ويجوز السعي مشيًا أو هرولة بين الميلين الأخضرين للرجال. يُعد السعي من أركان الحج، ويجب استحضار النية فيه والتفرغ للذكر والدعاء.
يُحرم الحاج المتمتع بالحج من مكانه، ويتوجه إلى منى حيث يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرًا بدون جمع. هذا اليوم يسمى يوم التروية، استعدادًا للوقوف بعرفة.
في التاسع من ذي الحجة، بعد شروق الشمس، ينطلق الحجاج إلى عرفة، ويظلون فيها إلى غروب الشمس. هذا اليوم هو الركن الأعظم، ومَن فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج. ويجب الوقوف في عرفة ولو للحظة قبل فجر اليوم العاشر. يستحب الإكثار من الدعاء والذكر والابتهال، لأن هذا اليوم من أفضل أيام الدنيا.
بعد غروب شمس يوم عرفة، يفيض الحجاج إلى مزدلفة، ويصلون فيها المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا. في مزدلفة، يجمع الحاج الحصى لرمي الجمرات، ويبيت فيها حتى الفجر.
في صباح يوم العيد (العاشر من ذي الحجة)، يتجه الحاج إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، بسبع حصيات متفرقات. ثم يواصل الرمي في أيام التشريق (11، 12، و13 لمَن شاء التأخير) برمي الجمرات الثلاث: الصغرى، الوسطى، الكبرى، كلٌّ منها بسبع حصيات. يمكن التوكيل في رمي الجمرات لمَن لا يستطيع لمرض أو كبر سن.
بعد رمي جمرة العقبة الكبرى، يبدأ الحلق والتقصير في الحج، وهو ما يُعرف بالتحلل الأصغر. الرجال يُفضل لهم الحلق، أما النساء فيقصرن قدر أنملة. بعد ذلك، يُباح له كل شيء إلا الجماع حتى يكمل بقية المناسك.
بعد التحلل الأول، يعود الحاج إلى مكة لأداء طواف الإفاضة، وهو من أركان الحج، ولا يتم الحج إلا به. يطوف سبعة أشواط حول الكعبة، ويليه السعي إن لم يكن قد سعى من قبل. تجب الطهارة أثناء الطواف.
بعد العودة من طواف الإفاضة، يعود الحاج إلى منى للمبيت فيها ليالي 11 و12 و13 (أيام التشريق)، ويستمر في رمي الجمرات الثلاث كل يوم. يمكن التعجل بالمغادرة بعد اليوم الثاني بشرط الخروج قبل غروب الشمس.
قبل مغادرة مكة، يجب على كل حاج أن يؤدي طواف الوداع، وهو آخر عهد الحاج بالبيت الحرام، يُطاف فيه سبعة أشواط، ولا يُصلى بعده في الحرم. تُعفى منه الحائض والنفساء.
من المستحب أن يكثر الحاج من الدعاء والاستغفار والتكبير، مثل:
“اللهم اجعل حجي مبرورًا، وذنبي مغفورًا، وسعيي مشكورًا”، “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”، والإكثار من التلبية والتسبيح أثناء التنقلات والوقوف.
ما أركان الحج؟
أربعة: الإحرام، والوقوف بعرفة، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة.
ما آخر وقت للوقوف بعرفة؟
يمتد وقت الوقوف بعرفة حتى فجر يوم العيد، وأفضل وقته من بعد الزوال حتى غروب الشمس.
هل يجوز التوكيل في رمي الجمرات؟
نعم، لمَن كان مريضًا أو غير قادر جسديًّا، بشرط أن يكون الوكيل قد رمى عن نفسه أولًا.
هل يجوز الاكتفاء بالتقصير بدلاً من الحلق؟
يجوز، لكن الحلق أفضل للرجال، أما النساء فلا يجوز لهن الحلق.
تُعد مناسك الحج رحلة روحانية وجسدية فريدة، تتطلب الفهم والدقة والتأمل. وكيفية أداء مناسك الحج بالترتيب كما ورد في السنة هو ما يحقق للحاج حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا. والحرص على التعلم، والاستعداد المبكر، والتزود بالنية الخالصة لله هو مفتاح النجاح في هذه الرحلة الإيمانية العظيمة.