Friday April 25, 2025

قبل ظهر يوم 25 أبريل 2015، هزّ زلزال مدمر بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر أرض نيبال، ليطيح بالمباني ويحدث انهيارات أرضية هائلة، مما نشر الرعب في جميع أنحاء البلاد. تلت الزلزال هزّات ارتدادية عنيفة، حيث أدى إلى مقتل ما يقرب من 9,000 شخص وإصابة عشرات الآلاف، ليس فقط في نيبال، بل في الهند والصين وبنغلاديش أيضًا.

دُمّر أكثر من 600,000 مبنى، وكان مركز الزلزال يبعد 85 كيلومترًا فقط عن العاصمة كاتماندو. لقد كان هذا الزلزال الأشد على نيبال منذ أكثر من 80 عامًا، وأدى إلى كارثة إنسانية ضخمة، حيث أصبح ملايين الأشخاص بلا مأوى أو طعام.

رغم غياب الإغاثة الإسلامية عن نيبال في تلك الفترة، كان لدينا يقين بأننا قادرون على التخفيف من معاناة المتضررين. وصل أول زميل لنا إلى نيبال في أقل من 24 ساعة بعد وقوع الكارثة، وتبعه فريق كامل في غضون 72 ساعة لبدء تقييم الوضع وبدء الاستجابة الفعلية في 29 أبريل.

على مدار الأيام والأسابيع التي تلت الزلزال، قدمنا الغذاء والمأوى وكل ما يمكننا تقديمه للأسر التي فقدت كل شيء. ومع مرور الوقت، أطلقنا برامج لدعم المجتمعات المحلية في كسب الدخل وإعادة بناء منازلها بجهودهم الخاصة.

كانت هذه الكارثة هي بداية مسيرة الإغاثة الإسلامية في نيبال، والتي تستمر حتى يومنا هذا. العلاقات العميقة التي بنيناها مع شركائنا المحليين خلال الاستجابة للزلزال قد تعززت على مر السنوات، مما مكّننا من مواصلة تقديم الدعم للفئات الأشد ضعفًا في نيبال بطرق أكثر فعالية وتأثيرًا. كما شكلت هذه التجربة درسًا ثمينًا لنا في الإغاثة الإسلامية، حيث تعلمنا الكثير عن كيفية مساعدة المجتمعات المنكوبة، وما زلنا نطبق هذه الدروس في استجاباتنا الإنسانية حول العالم.

زلزال نيبال

واليوم، في الذكرى العاشرة لزلزال نيبال، يسترجع اثنان من موظفي الإغاثة الإسلامية تجربتهما في ذلك الوقت.

أولهم مدثر شاه، مدير تنفيذ برنامج التنمية والمساعدة المستدامة في الاستجابة للطوارئ والمشاريع الإنسانية في الإغاثة الإسلامية: يقول “في ذلك الوقت، كان دوري أن أتوجه إلى مناطق الكوارث كجزء من الفريق الأول المستجيب، حيث كنت أبدأ في تنفيذ أنشطة الإغاثة العاجلة والبدء في عمليات التعافي. في نيبال، كنت مسؤولاً عن قيادة الاستجابة الشاملة، بما في ذلك توسيع نطاق المساعدات ووضع الخطط الأولية لإعادة التأهيل والتعافي على المدى الطويل. بقيت هناك لمدة أربعة أشهر، وعُدت عدة مرات بعد ذلك.” وأضاف مدثر: “يوم وقوع الزلزال، كنت قد أنهيت للتو تدريبًا استمر خمسة أيام في منطقة آزاد كشمير، وكنت في طريقي للعودة إلى إسلام آباد في منطقة لا توجد فيها تغطية هاتفية. وبمجرد وصول الإشارة، تلقيت اتصالًا من مديري آنذاك، عُمير حسن، يخبرني أن زلزالًا هائلًا ضرب نيبال، وأن عليّ السفر فورًا إلى هناك. أخبرته أنني سأكون في إسلام آباد خلال 3 إلى 4 ساعات، وسأستقل أول طائرة متاحة.”

ويسترجع مدثر انطباعه الأول لدى وصوله إلى نيبال قائلاً: “ما لفت انتباهي فور وصولي كان مشهد الدمار الكبير. كان المطار متضررًا ومزدحمًا للغاية، حتى أن رحلتنا كانت تحلق في السماء لمدة ساعتين قبل أن نتمكن من الهبوط. لكن ما لا أنساه كان الاستقبال الدافئ الذي تلقيناه. موظفو الجوازات رحبوا بنا بحرارة، وشكرونا على قدومنا لمساعدة المجتمعات المتضررة في تلك اللحظة الصعبة. حتى سائق سيارة الأجرة كان شديد اللطف، وقدم لنا المساعدة في إيجاد مكان للإقامة، لأن جميع الفنادق كانت مغلقة في البداية.”

زلزال نيبال

وأضاف مدثر: “بعد فترة، بدأت خدمة ويسترن يونيون في العودة للعمل، ووجدنا أن كاتماندو قد امتلأت بمنظمات الإغاثة الدولية، فبحثنا عن منطقة نائية لم تصلها المساعدات بعد، ووجدنا ‘سيندهوبالشوك’. كانت الرحلة إليها تستغرق عادة ساعة واحدة، لكنها استغرقت في ذلك اليوم ثلاث ساعات بسبب الطرق المتضررة، ثم مشينا لأكثر من أربع ساعات عبر القرى، نقيّم الأضرار ونتعرف على احتياجات الناس.”

ويؤكد مدثر أن هذه المرحلة شكّلت الأساس لاستجابة طارئة واسعة النطاق، وفتحت أمامهم رحلة جديدة من التعلم والنمو في الإغاثة الإسلامية. “كما أنشأنا 11 مركزًا تعليميًا مؤقتًا للأطفال ليتمكنوا من العودة للدراسة بسرعة، وأصلحنا عددًا من المدارس والمنازل المتضررة. استمرت استجابتنا الطارئة لمدة 3 إلى 4 أشهر، تلتها 3 سنوات من جهود إعادة التأهيل، ثم برامج تنموية مستمرة حتى اليوم.”

ويتابع قائلاً: “قبل الكارثة، كان لدى نيبال مجتمع مدني نشط وحيوي ذو قدرات جيدة. كانت لديهم خبرة كبيرة في الاستجابة للطوارئ بسبب تعرضهم المتكرر لكوارث متوسطة وصغيرة الحجم. علاوة على ذلك، يتمتع الشعب النيبالي بروح عالية من الصمود، والتطوع جزء لا يتجزأ من ثقافتهم، وهو ما ساعدنا بشكل كبير خلال مراحل الإغاثة والتعافي عندما عملنا مع شركاء محليين.”

“تعلمنا، أنا وفريقي، من أخطاء سابقة في بناء علاقات مع شركاء محليين في أماكن أخرى، مما ساعدنا كثيرًا في نيبال. عرفنا أنه بدلاً من فرض مطالب على الشركاء، كان علينا أن نكون داعمين لهم، وأن نعمل معهم كأقران. قمنا بمساعدتهم على تحسين أنظمتهم في مجالات مثل الإدارة المالية، والمشتريات، وإدارة الموارد البشرية. ومن جانبهم، علمونا الكثير عن الثقافة المحلية، مثل كيفية تحية الناس، وكيفية التأكد من أن المواد الغذائية التي نوفرها تتناسب مع ما اعتادوا تناوله. عندما تأتي كغريب، تبدأ من الصفر، لكن عندما تعمل مع شركاء من نفس البلد والثقافة، يحدث فارق كبير في سرعة وجودة الاستجابة للطوارئ.”

زلزال نيبال

عُمير حسن، استشاري التأهب للكوارث العالمية في الإغاثة الإسلامية.

يخبرنا عُمير: “في وقت وقوع الزلزال، كنت أشغل منصب المدير الإنساني الإقليمي لآسيا، وكانت مسؤوليتي الأساسية هي الاستعداد لحالات الطوارئ والاستجابة لها في المنطقة. قبل الزلزال، كنا بالفعل نفكر في التوسع نحو نيبال، لكونها منطقة معرضة للكوارث الطبيعية، وبدأنا حينها بمحادثات مع منظمات إنسانية محلية لعقد شراكات. هذا التحضير المسبق مكّننا من التحرك بسرعة عندما سمعنا بالزلزال، واستطعنا على الفور تفعيل خطة الاستجابة الإقليمية، التي ضمّت زملاء من دول عدة مثل الهند، باكستان، بنغلاديش، والفلبين. يواصل عُمير: وصلت إلى نيبال بعد الزلزال بحوالي عشرة أيام، وكانت الشوارع شبه خالية. كل شيء كان مغلقًا. الناس تركوا منازلهم وكانوا خائفين من العودة إليها. كنت ترى مجموعات من الناس في الحدائق أو يبيتون على جوانب الطرقات، لكن الحياة كانت متوقفة بالكامل تقريبًا طوال أسبوعين بعد وصولي. الخوف كان يخيّم على كل شيء.

بدأت جهود البحث والإنقاذ في كاتماندو، لكن حين انتقلنا إلى المناطق الريفية، كان حجم الدمار مرعبًا وواضحًا. الانهيارات الأرضية جرفت قرى بأكملها إلى الأنهار، وكل شيء اختفى – المنازل، والمدارس، وحتى أماكن العبادة.

وبعد نحو أسبوعين من الزلزال الأول، وقع هزّة ارتدادية قوية. كنت وحدي في الطابق الثاني من مبنى، وشعرت أنني قد أضطر للقفز. كانت لحظة مخيفة للغاية، خصوصًا للناس الذين نجوا من الزلزال الأول. كانوا مرعوبين من مجرد التفكير في الدخول إلى أي مبنى مرة أخرى. كان هذا أمرًا لم أشهده من قبل

زلزال نيبال

بدأنا بتحديد الشركاء المحليين وتقييم الوضع على الأرض. هل البنوك كانت تعمل؟ هل هناك مخزون من الطعام والمساعدات داخل البلاد يمكننا شراؤه؟ هل توجد مركبات متاحة لنقل الإمدادات؟ كيف كانت حالة الطرق؟ كان هناك ما يقارب 15 مقاطعة من أصل 77 في نيبال قد تأثرت، لذلك كنا أمام كارثة ضخمة بحق.

وبعد أن جمعنا هذه المعلومات، بدأنا في وضع خطة التحرك. لكن واجهتنا عقبة كبيرة: كانت ويسترن يونيون وكل البنوك مغلقة، ولم تكن هناك وسيلة للحصول على المال. أتذكر أنني تأثرت كثيرًا في إحدى الليالي، وراودني شعور بالإحباط، كأن وجودنا هناك لم يكن له معنى إذا لم نكن قادرين على فعل أي شيء. لكن الفريق اتخذ قرارًا شجاعًا: جمعنا ما لدينا من أموال نقدية، وذهبنا بأنفسنا في الصباح الباكر إلى السوق، واشترينا الأرز والطعام المعلّب وبعض المستلزمات الأخرى، وقمنا بتحميلها في السيارة الصغيرة التي استأجرناها لتوصيلها إلى العائلات المحتاجة. يضيف عُمير المجتمعات المحلية، والشركاء، وأصحاب المتاجر كانوا كرماء ومتعاطفين للغاية. وبفضل دعمهم، تمكنا من تأمين مواد غذائية ونقلها إلى إحدى القرى الريفية خلال الأسبوع الأول من الكارثة. بعد أن وزعنا المواد الغذائية، بدأنا في توفير المأوى للناس، لأنهم كانوا يعيشون في العراء. قمنا بجلب الخيام وأغطية البلاستيك من دول أخرى في آسيا، لأنه لم يكن هناك أي منها متاح في نيبال. بعد ذلك، بدأنا نبحث عن مواد يمكن استخدامها لبناء مساكن مؤقتة أكثر متانة، خصوصًا مع اقتراب فصل الصيف. ومع مرور الوقت، ساعدنا أيضًا في إصلاح البنية التحتية للمياه، وبدأنا تنفيذ برامج “النقد مقابل العمل”. يكمل عُمير: قضيت شهرًا في نيبال بعد الزلزال، وعندما عدت لاحقًا لاحظت فرقًا كبيرًا في المزاج العام للناس وكيف تعاملوا مع الوضع. بعد ستة أشهر إلى سنة، بدأت الحياة تعود تدريجيًا إلى المجتمعات. عادت المباني متعددة الطوابق إلى الظهور، ولم يعد الناس يخشون العودة للعيش فيها كما في البداية.

.G.HG KDFHG

كانت الحكومة حريصة على أن تكون البنية التحتية، مثل الطرق وغيرها، أفضل مما كانت عليه قبل الزلزال، كما بدأت بوضع تدابير استعداد للكوارث. صار هناك توجه لتوعية الناس وتجهيزهم للاستجابة للطوارئ، مع وجود إجراءات وقائية واضحة. ما حدث في عام 2015 دفع الحكومة والمجتمع ككل لتحسين الجاهزية والاستفادة من التجربة، وخرجنا بالكثير من الدروس المستفادة من نيبال على مدار العقد الماضي.

بالنسبة للإغاثة الإسلامية، كانت هذه الكارثة استثنائية لأنها كانت أول مرة تتولى فيها فرق آسيا وحدها الاستجابة بشكل كامل تقريبًا. كان هناك فرد أو اثنان فقط من خارج آسيا أو من المكتب الرئيسي، لكن التنفيذ الفعلي كان بأيدٍ آسيوية بالكامل. لقد كانت تجربة تعليمية عظيمة للإغاثة الإسلامية لأنها أثبتت قدرتنا على بناء كوادر وهياكل إقليمية يمكنها التعامل مع الكوارث الكبرى. استطعنا نشر فرقنا خلال وقت قصير جدًا وبدأنا الاستجابة بسرعة. كنا نتحدث لغة واحدة تقريبًا، مما سهّل كثيرًا تعاملنا مع الشركاء والمسؤولين الحكوميين. واستطعنا لاحقًا دمج بعض هذه الدروس في برنامج التنمية والمساعدة المستدامة في الاستجابة للطوارئ والمشاريع الإنسانية الخاصة بالاستجابة في الدول التي لا توجد لنا فيها مكاتب.

من أبرز ما تعلمناه أيضًا هو أننا لم نغادر نيبال بعد انتهاء الطوارئ، بل واصلنا العمل هناك. وهذا يعكس التزام الإغاثة الإسلامية تجاه الدول المعرضة للكوارث. لم نكن مجرد مستجيبين لحالة طارئة، بل وسّعنا نطاق عملنا في نيبال على مر السنوات، وعملنا على بناء قدرات المجتمعات المحلية وشركائنا وموظفينا كذلك.

عندما أسترجع تلك الفترة، أراها واحدة من اللحظات التي أحدثنا فيها فرقًا حقيقيًا. نحن نطمح دائمًا للوصول إلى المتضررين خلال 72 ساعة، وأثبتنا حينها أننا قادرون على ذلك. واستمرارنا في دعم المجتمعات الضعيفة في نيبال بعد مرور 10 سنوات يؤكد أن استجابتنا الأولى كانت ناجحة بما يكفي لتصبح حجر الأساس لجهودنا المستمرة حتى اليوم.

زلزال نيبال

تبرعاتكم المستمرة لبرنامج الطوارئ تُمكِّننا من التدخل العاجل وإنقاذ الأرواح في اللحظات الحرجة.

تبرع الآن

جميع الحقوق محفوظة لمنظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم 2025 ©
الإغاثة الإسلامية عبر العالم منظمة خيرية دولية غير حكومية مسجلة فى المملكة المتحدة برقم: 328158